احتلت العديد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين الجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والطبية الرائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، دائرة الضوء خلال مؤتمر الإمارات للسمنة 2019 الذي استضافته العاصمة أبوظبي في الفترة بين 18 – 19 أكتوبر. وشملت تلك الموضوعات البحث عن سُبُل تعزيز أطر التعاون بين مختلف الجهات المعنية، والتركيز على الأبحاث الرامية إلى تعزيز الوقاية من السمنة بدلاً من إدارتها، فضلاً عن إعطاء أهمية أكبر لمعالجة ظاهرة السمنة لدى الأطفال
وكان المؤتمر، الذي حمل عنوان "حان الوقت لمواجهة السمنة"، قد عُقد بالتعاون بين مجموعة من المؤسسات الطبية المتخصصة التي تندرج تحت مظلة "مبادلة للرعاية الصحية" التابعة لشركة "مبادلة للاستثمار" بما في ذلك مستشفى "هيلث بوينت"، ومركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، ومستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، إلى جانب جهات أخرى معنية بالأمر، مثل مدينة الشيخ خليفة الطبية ومستشفى العين وجامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية
وصرحت نوف خميس العلي، نائب مدير إدارة التخطيط والتعزيز الصحي بوزارة الصحة ووقاية المجتمع، في حديثها خلال الجلسة الختامية للمؤتمر الذي استمر يومين، أن المهمة الرئيسي لإدارتها تتمثل في خفض معدل السمنة لدى الأطفال من 14.45٪ إلى 12٪، إضافة إلى وقف ارتفاع معدلات السمنة لدى البالغين
وأوضحت العلي أن العوامل البيئية كان لها تأثير قوي على ارتفاع معدلات السمنة مشيرة إلى أن الأبحاث أظهرت أنه بالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 27 عاماً كانت العوامل الأكثر أهمية التي تؤثر على الوزن هي تناول كميات كبيرة من المشروبات الغازية والوجبات السريعة فضلاً عن الجلوس لفترات طويلة وتخصيص القليل من الوقت لممارسة التمارين الرياضية. ولفتت إلى الإجراءات والمبادرات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة هذه القضايا، بما في ذلك فرض الضرائب على المشروبات المحلاة، وسياسات وضع العلامات الغذائية على المنتجات الغذائية، والمبادئ التوجيهية الوطنية الخاصة بمطعم المدرسة، إضافة إلى إطلاق مبادرة "معكم" لتشجيع مجتمع دولة الامارات على ممارسة النشاط البدني من خلال تبني أساليب وأنماط حياة صحية بسيطة في حياتهم اليومية
وبدوره أعرب الدكتور محمد الحداد، استشاري جراحة السمنة، ورئيس مركز جراحة السمنة والتمثيل الغذائي بمستشفى "هيلث بوينت أبوظبي، والذي ترأس اللجنة المنظمة للمؤتمر، عن سعادته بالنتائج التي تمخض عنها المؤتمر بنسخته هذا العام لا سيما فيما يتعلق بأهمية تعزيز الجهود والتعاون بين الجهات المعنية لإيجاد حلول فعالة لمعالجة ظاهرة السمنة المنتشرة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
مشيراً إلى أنه لا يمكن أبداً التغاضي عن المضاعفات الصحية الكثيرة للسمنة لأنها لا تقتصر على الأفراد فحسب، بل أن آثارها السلبية تمتد لتطال المجتمع وحتى الاقتصاد
وقال الدكتور الحداد: "لقد أتاح لنا هذا المؤتمر الاجتماع مع ممثلي عدد كبير من الجهات المعنية، لمناقشة سُبُل تعزيز التعاون لمعالجة العبء الذي تلقيه السمنة على عاتق الدولة. إضافة إلى ذلك، فقد تم التركيز على مناقشة جميع العوامل المسببة للسمنة، مما يعكس النهج متعدد التخصصات في معالجة هذه المشكلة الصحية. وقد أكدنا على أهمية التركيز على الوقاية من مرض السمنة، بدلاً من إدارته عندما يصاب الشخص به"
يُعد مركز جراحة السمنة والتمثيل الغذائي في مستشفى "هيلث بوينت"، مركز معتمد من قبل مؤسسة المراجعة الجراحية، والتي تمنح اعتمادها للمنشآت الصحية وفقاً لمعايير السلامة وجودة الرعاية. ويقدم المركز خدمات عالمية المستوى لمرضى السمنة الذين يعانون من مرض السكري والذين يحتاجون إلى حل جذري يغير حياتهم.
وسلّط المتحدثون خلال المؤتمر الضوء على أحدث الأبحاث ومناقشة ظاهرة السمنة من جميع الزوايا، وتم خلال المؤتمر تحليل ومناقشة أسباب السمنة وآثارها، وكذلك الاستراتيجيات الوقائية مع التركيز على إيجاد حلول فعّالة
وناقش ماريو عون، أخصائي علم النفس السريري في مستشفى هيلث بوينت، الآثار السلبية للسمنة على نفسية المرضى، بما في ذلك المشكلات التي يواجهها المرضى الذين يعانون من البدانة، مشيراً إلى إحساس مريض السمنة بمشاعر الخجل وعدم تقبله من قبل الآخرين إلى جانب تعرضه للتنمر وشعوره بأنه غير محبوب. وأوضح الدكتور عون أن دوره كطبيب نفساني لعلاج السمنة، يحتم عليه مساعدة المرضى أيضاً بعد إجرائهم جراحة السمنة مشيراً إلى أهمية أن يكون العلاج شاملاً لا سيما وأن جراحة السمنة تعالج المشكلة الجسدية فقط وتهمل المشاعر التي يشعر بها المريض قبل وبعد الجراحة
ومن جهتها تحدثت الدكتورة سارة سليمان، سارة سليمان استشارية الغدد الصماء والسكري في مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، عن العلاقة بين السمنة والسكري من النوع الثاني. وأشارت إلى أن الدهون ليست كلها متساوية وأن توزيع الدهون في الجسم يحدث فرقاً كبيراً فيما يتعلق بمخاطر إصابة الشخص بمرض السكري فضلاً عن أن الأشخاص الذين يعانون من زيادة الدهون المركزية (الحشوية) يكونوا عادةً أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري. وسلطت الدكتورة سليمان الضوء على البحث الذي أظهر أن خلل الأنسجة الدهنية يؤدي إلى مقاومة الأنسولين وبالتالي الإصابة بمرض السكري، وأن الدهون الغذائية، وخاصة الدهون غير المشبعة، يمكن أن تزيد من مخاطر الإصابة بالمرض، في حين أن الدهون غير المشبعة المتعددة ربما تقلل من خطر الإصابة بمرض السكري
ومن جانبه لفت الدكتور مراد كيرلس، طبيب استشاري في قسم الطب العام التابع لمعهد التخصصات الطبية الدقيقة لدى مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، إلى الأدلة الحديثة التي تشير إلى وجود علاقة بين الوزن الصحي وصحة الأمعاء، مشيراً إلى العديد من الاستراتيجيات والإجراءات التي تم التوصل إليها للمساعدة في تحقيق التوازن بين بكتيريا الأمعاء. وتشمل هذه الإجراءات الصيام المتقطع وممارسة الرياضة وزيادة تناول الخضروات والألياف، والتي تعتبر أغذية طبيعية عضوية "بريبايوتك" تعزز تكاثر البكتيريا النافعة، إضافة إلى تناول الأطعمة المخمرة وتلك التي تحتوي على دهون جيدة.
إضافة إلى ذلك، تحدثت الدكتورة مهجة الشيخ، استشارية الغدد الصماء والسكري في مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري حول الأسباب الفسيولوجية الكامنة وراء مرض السكري، قائلةً: "على مدار العقد الماضي، زاد فهمنا بشكل كبير للأنظمة الفسيولوجية التي تنظم استهلاك الجسم للطعام وزيادة الوزن، حيث تم تصميم هذه الأنظمة للحفاظ على وزن جسم ثابت على الرغم من الاختلافات الهائلة في كيفية حصول الجسم على الطاقة واستهلاكها على أساس يومي. وعلى الرغم من دورها في ضمان مستوى عالٍ من التوازن الدقيق، فمن الممكن أن تعمل هذه الأنظمة بشكل أساسي لحمايتنا من الشعور الجوع"
وأشارت الدكتورة الشيخ إلى البحوث التي وجدت أن ردة فعل الجسم تكون أكثر قوة عند خسارة الوزن من زيادة الوزن، مما يجعلنا أكثر عرضة للسمنة. هذا إلى جانب تأثير العوامل الوراثية والبيئية التي يمكن أن تساهم أيضاً في زيادة انتشار السمنة. وأشارت الدكتورة الشيخ إلى حاجتنا لمزيد من الفهم حول سُبُل التحكم بالشهية والوزن لتوفير علاجات يمكن من خلالها السيطرة على مرض السمنة
وقدمت الدكتورة الشيخ في المؤتمر مراجعة للأدوية كعلاج للسمنة، لكنها أكدت على أهمية عدم استخدام الدواء دون أن يكون مصاحباً لتغييرات في نمط الحياة، مشيرةً إلى أن هناك أدوية جديدة تُظهر نتائج واعدة في تقليل كل من الأمراض المصاحبة للوزن وعملية الأيض لدى مرضى محددين، لكنها تعمل بشكل مختلف لدى مرضى آخرين، مع التأكيد على أهمية نهج "التجربة والخطأ"، مضيفةً أن هناك اختلافات واسعة لاستجابة الجسم لجميع علاجات السمنة